January 17, 2010

ماردة الغابة


على سفح جبل "لونحزيك" في "كولورادو" تجثم أطلال شجرة ضخمة، يقول رجال الطبيعة أنها نبتت منذ أربعمائة عام خلت وأنها كانت شجيرة عندما وضع "كولمبس" قدمية ببلدة "سان سلفادور" ولقد أصيبت هذه الشجيرة الماردة في خلال حياتها الطويلة بالصواعق أربع عشر مرة، ومرت بها العواصف العاتية أربعمائة عام متوالية، ولكن الشجرة الماردة صمدت في مكانها.
ثم حدث أخيرا أن زحف جيوش من الخنافس والحشرات على هذه الشجرة الضخمة، فمازالت بها، تنخرها وتقرضها، حتى سوتها بسطح الأرض، وجعلتها أثرا بعد عين! لقد أمحت ماردة الغابة التي لم تؤثر فيها الصواعق، ولم تنل منها الأنواء، انمحت من الوجود، بفعل هوام من الضالة بحيث يستطيع الإنسان لأن يسحق أحداها بين سبابته وابهامه! " .
د. هاري إمرسون
من كتاب دع القلق


قصة ماردة الغابة.. قرأتها وعدت لقرائتها مراراً.. تجاوزت ذالك الفصل بأجزاء ولكني أحببت أن أعود لقراءة القصة مرات أخرى.. سطرها الكاتب في كتابه (دع القلق) ليخدم فكرته، وهي أن للقلق الذي نمارسه على أنفسنا القدرة على الإطاحة بنا كما هي قدرة الخنافس على الإطاحة بتلك الشجرة العملاقة..


بقليل من التأمل في تلك القصة، وبإسقاطها على مواقف من حياتنا اليومية، نرى أن للأمور الصغيرة -التي نستصغرها بالعادة- القدرة الهائلة على تغيير مجرى الأمور وتحطيم العلاقات مهما كانت قوتها وترابطها، وقد سجل التاريخ قصصاً كثيرة ومثيرة تثبت أن لتلك الأمور الصغيرة طاقة فتاكة في التدمير، كما حدث في معركة البسوس التي استمرت 40 عاما بسبب ناقة، وكما حدث في أول علاقة أخوية على وجه الأرض، أخوة هابيل وقابيل، وكيف دمرت بسبب الحسد.. وما يحدث في أيامنا الحاضرة من طلاق لأسباب بسيطة، كاختلاف الآراء أو الغيرة أو غيره من التوافه الكثير..


كثيرا ما نقف صامدين امام كل العواصف العاتية من مشاكل ومحن وهزائم وفشل، ونعتبرها دروساً تزيد من قوتنا ومواجهتنا للحياة والصعوبات، وفي المقابل نعجز عن مواجهة تلك الصغائر.. فقد اعتدنا على استصغار قدرتها واعتبارها تافهة من توافه الحياة والتي يجب ان نتجاهلها.. رغم أن الحياة والتاريخ يثبتون فعاليتها في التدمير..


قلق، حسد، غيرة، سوء ظن، تكاسل، لامبالاة، غضب وغيره الكثير.. نتهاون بصغرها ولكنها تكون قد نجحت في نخر عقولنا وقلوبنا وأرواحنا، وخلفّت أغوار من الألم والأسى والحزن والغضب والتفرقة والضعف التي قد تطيح بأي علاقة سامية..


تلك الصغائر هي ألد أعدائنا وأفتكها، فإن استمررنا في استصغارها نكون قد منحناها القدرة المطلقة في السيطرة على ذواتنا وحياتنا، وان فطنا لها ووعينا بقدراتها الكامنه نكون قد تقدمنا خطوة في طريق القضاء عليها.


تلك المعرفة هي وحدها القادرة على منحنا تلك القوة التي ستمكننا من سحقها - كما نسحق الخنافس بين اصبعين من أصابعنا- ونوقف استدمارها لذواتنا وحياتنا..


ودمتم بكل خير

7 comments:

ريم حسن said...

أسعدك الله أختي مسك الحياة..

اشتقت لك ولحديثك الإيجابي كثيراً..

نعم.. تباً للصغائر، نستصغرها رغم أنها الأقوى فتكاً!

محمد الصالح said...

لا أنسى أبداً كتاب ريتشارد كارلسون .. لا تهتم بصغائر الأمور .. له وصولية عجيبة للنفس ..

شكراً لك أختي مسك الحياة

احمد صلاح said...

اسقاط جميل جدا
ومعك حق لكنه على الرغم من انه النظر والاهتمام لصغائر الامور ضرورى الا انه فى بعض الاحيان نجد انه التغاضى عنها اولى لذا فى كل الاحول لازم ان نزن الامور ونسأل الله ان يعيننا على انفسنا ويعطينا من الحكمه ويبصرنا لافعالانا

عبدالله باخريصة said...

مقال إيجابي وهام جدا.. شكرا لك أختي.
تحياتي،،،

موقع دبي مون said...

رائع جدا خيو مدونة رائعه

Unknown said...


thx

كشف تسربات المياة
غسيل خزانات
شركة نظافة عامة

موقع الاسلام said...

موضوع اكثر من رائع
ادعوا لكم بالنجاح و التوفيق ان شاء الله

Post a Comment